لماذا التصميم مع أفنية
يعتمد التصميم في أفنيه على المفهوم القائم على أن نشاط الإنسان (أو المجتمع) يجب أن يلبي الأغراض الوظيفية أو الاحتياجات المتغيرة، ويستند هذا إلى علاقة الإنسان بالمواد (أو البيئة)، بحيث تكون هذه العلاقات ديناميكية ومتغيرة وتقدمية. لذلك، نتبنى في أفنيه مجموعة من المبادئ التي تمثل مساراً فكرياً يشكل فلسفتنا، تتكيف هذه المبادئ وفقاً للخدمة التي نشرع في تقديمها، بحيث تتكون كل مجموعة من هذه المجموعات الأربع من ثلاثة مبادئ أساسية لتمثل الخطوات الأساسية في عملية التصميم المعماري. تعكس المجموعة الأولى الأسباب التي دعت لتأسيس المنظومة الإدارية للهندسة المعمارية وتشمل توفر الموارد (البشرية والمالية)، تليها أهمية الإلمام بالثقافة المحلية، والدراية، من خلال العلاقة المتينة بين الشركة كمنظمة مهنية، والأفراد، والشركات المصنعة، والمديرون التنفيذيون، والحرفيون وأخيرا نظام صنع القرار الذي يضمن كفاءة عملية الإبداع المعماري.
المجموعة الأولى تشكل الفلسفة الإدارية وشبكة العلاقات وقاعدة المعلومات التي يمتلكها المكتب، وفي الوقت نفسه تمثل بيئة العمل في أفنية سواء داخل الشركة أو خارجها. هذه المجموعة على وجه الخصوص كانت التحدي الرئيسي الذي تعامل معه فريق أفنية خلال السنوات الماضية، حيث يتطلب توسيع حدود شبكة العلاقات داخل هذه المجموعة إلى التعامل مع فرق مختلفة على المستويات الحكومية والاجتماعية والاقتصادية على المستويين الإداري والفني.
أما المجموعة الثانية، فتمثل البيئة الإبداعية التي يتم فيها تخليق أفكار التصميم، ونظرًا لأن كل بيئة تساهم بطريقة أو بأخرى في توجيه أفكار التصميم وتحديد ميزاتها البصرية، فقد عملنا في أفنية خلال السنوات الماضية على تحديد العلاقة بين معالجة الأفكار المعمارية والعملية التصميمية والمنتج المعماري. المنتج المعماري ليس سوى نتيجة النهج الذي تم من خلاله تطوير الفكرة المعمارية. تتكون هذه المجموعة من ثلاث حلقات أساسية: الأولى هي لحظة الإلهام، التي تتولّد فيها الفكرة المعمارية، والتي غالبًا ما تمثل مدرسة العمارة المحلية المفتوحة التي نتبعها في أفنية. إنها أيضًا اللحظة التي تمثل بداية عملية النهج الإبداعي. أما الحلقة الثانية، فهي العلاقة المتبادلة بين فريق التصميم والمالك، والتي تؤدي إلى ولادة المنتج المعماري النهائي، وبالرغم من انخراط فريق التصميم في إعداد وتطوير الفكرة المعمارية، التي تعبر عن الفلسفة الفكرية في استوديوهاتنا، إلا أنها في نفس الوقت تستند إلى مخيلة ومتطلبات صاحب المشروع. أما الحلقة الأخير ضمن سلسة عملية التصميم، فهي تطوير بيئة "الاستوديو" المهنية والفكرية التراكمية، ما يجعل من عملية الإنتاج المعماري متجددة ومبدعة، تعتمد بالأساس على نقد الفكر النمطي واستلهام الأفكار الخلّاقة. لطالما كان التغيير أحد الاهتمامات الرئيسية لدى أفنية، حيث أن هذه البيئة لا تتبع قواعد ثابتة، فهي متغيرة ومتقدمة وقابلة للتكيف.
المجموعة الثالثة تركز على العملية المهنية التي عادةً ما تصاحب عملية التصميم المعماري. تركز هذه المجموعة على خصائص المنتج المعماري. ما نعنيه بالخصائص هي تلك التي ذكرها المهندس المعماري الروماني Vitruvius في كتابه "عشرة كتب في العمارة". وهي:
الوظيفة حيث يجب دراسة برنامج المشروع بدقة عالية لضمان العلاقات المكانية المختلفة واستبعاد المساحات غير الضرورية. القضية الثانية هي الصلابة من خلال التركيز على جانبين من جوانب النظام الهيكلي الفعال والبسيط في نفس الوقت بعيدًا عن التكاليف غير الضرورية. أما القضية الأخرى فهي إدراج التقنيات الذكية والمتقدمة التي تتناسب مع طبيعة المشروع. القضية الأخيرة هي الجمال، وهي قضية فلسفية ذاتية بحتة. نحن ندرك أن الموقف من الجمال متغير ولا يوجد معيار ثابت يمكن أن يكون صالحًا لتعريف الجمال. ومع ذلك، بلا شك، تكمن فلسفة أفنية في العودة دائمًا إلى المصادر المحلية ذات النسب المتوازنة والعفوية البصرية، ليس لإعادة إنتاجها ولكن للتعلم من التوازن والعفوية لإنشاء معالم جمالية جديدة.
تهتم أفنية بالعلاقة التبادلية بين المبنى كعنصر بارز في البيئة العمرانية المبنية ومحيطه الحضري. وقد تتضح هذه العلاقة من خلال إجراء التحليل للموقع وفحص خصائصه المادية والثقافية والبشرية. قد تمثل هذه المرحلة إعداداً للفكرة التصميمية قبل لحظة الإلهام، لكننا قررنا هنا وضعها كمجموعة أخيرة تحمل علاقة وراثية مع المجموعات الثلاث التي ذكرناها سابقًا. يتأثر في هذه المجموعة (الحضرية) كلاً من المبنى والمحيط الحضري، وهي الخطوة الأولى التي تتبناها أفنية عادة في عملية التصميم. ومع ذلك يجب أن نقول إنها وجهة نظر قابلة للنقد حتى الوصول للنتيجة النهائية. تتكون هذه المجموعة من: الحركة، وهو موضوع أساسي يحدد محورية موضوع الحركة والتنقل بين فراغات المبنى المختلفة والعلاقة العملية بين الداخل والخارج. غالبًا ما تخضع الحركة لشروط منطقية تحدد المداخل والمخارج. النقطة الثانية هي توجيه المبنى، والتي عادةً ما تنقل رسالتين للمصمم، الأولى تتعلق بملاءمة المناخ وتوجيه المبنى نحو الاتجاه الأفضل من حيث الاعتبارات البيئية. الثانية تختص بالتوافق البصري بين ما نراه والمحيط الحضري من الخارج. الثالثة هي الانسجام، بحيث لا يتم إنشاء المبنى على عكس البيئة الحضرية المحيطة. هذه المشكلة على وجه الخصوص تمثل إشكالية، خاصة عندما تكون هذه البيئة المحيطة ضعيفة من الناحية المعمارية، وتتطلب التدخل، لذلك سيتم تصميم المبنى في هذه البيئة لخلق التطور الذي قد يولد التجديد للمحيط الحضري في المستقبل.
تسمح هذه المراحل الأربع لأفنية بتحقيق مفهوم العمارة المحلية المفتوحة وإحداث الصدمة المعرفية التي نسعى لها في مجال العمارة، واعتماد الممارسة المعمارية التجريبية أو ما قد نسميه كما ذكرنا (العمارة التجريبية). كيف يمكننا تخليق أشكال جديدة غير معزولة كليًا عن الذاكرة الجماعية من خلال فهم المحيط الطبيعي المحلي وبيئته الثقافية والمناخية والطبوغرافية. وإيجاد حلول مكانية بصرية تعبر عن هذه الطبيعة من خلال تبني أحدث التقنيات الحديثة. ولكي نبتكر هذه العمارة، يفترض بنا إنشاء البيئة التجريبية، ليس على مستوى القدرات المحلية فقط، ولكن من خلال مشاركة الأفكار والتجارب مع الخبرات العالمية القادرة على تحقيق هذه الظاهرة المعمارية في أماكن مختلفة من العالم. يمكننا أن نقول إننا من خلال منهجية التجريب، نطمح ألا نتوقف أبدًا عن إثارة الجدل المعماري حول مستقبل العمارة السعودية، لأننا نشعر بمسؤولية كبيرة في خلق هذا النقاش الذي يمكن أن يؤدي في النهاية إلى ما نسميه العمارة السعودية المعاصرة.